بحث هذه المدونة الإلكترونية

2017/10/25

ولادة واعية

قدم ماجد من مدينته التي تسترخي على ضفاف العاصي وسط سهول الخير التي تعطي كل ماتشاء ، مدينة لا تهدأ لا نهاراً ولا ليلاً، سكانها يجهدون نهاراً ويعيشون ليلاً ويستمتعون بحياتهم , ويتقنون اصطياد الفرح ، ولعل أجمل مافي مدينتة  أن أهلها يلتحفون السماء وينامون تحت ضوء القمر نصف ايام حياتهم , من يوم تفتح الياسمين والجوري , وحتى يتلاعب نسيم الخريف بأوراقها ، يتلاعبون أطفالاً مع النجيمات وتسبح عقولهم في هذا المدى اللا محدود .
ترك ماجد  هذه اللوحة الفنية لينام في علبة كبريت ، يهدر فيها مكيف الشباك ليلا نهارا وصيفا شتاء،وترك ريشته وألوانه ومسرحياته ورفاقه المسرحيين والحقيقيين ، زوجته وأولاده وأهله ، لأجل كل شيء ترك كل شيء على أمل أن يعود ليهندس كل شيء أفضل مما كان .
طويلة عليه الدقائق والساعات والأيام ، متشابهة بالتمام والكمال ، لا شيء يتغير أمام عينيه سوى التاريخ الذي بدأ يسجله أمامه على ورقة فوق طاولة المكتب ، صحراء ... صحراء ...صحراء من كل الجهات ، تشققت روحه  ، لا تمارين اليوغا ولا الأحلام تخفف عليه وحدته القاتلة ، صار يتخيل نفسه كمشة من الرمل بين التلال  اللاهبة تحت الشمس . ولم يسعفه إلا فكرة خطرت على باله ، فاستدعى صديقا له وأخبره أن الحالة اسعافية ولا تحتمل التأجيل وإما يلحق به أو لا.
ما إن وصل صديقه أمام البيت كان ماجد بانتظاره أمام الباب ، فتح باب السيارة وصعد بقربه مؤشراً بيده أن انطلق
- هيا ... هيا ... بسرعة يا صديقي إما نلحق أو لا نلحق
نظر إليه صديقه بعد أن اطمأن أنه لا يوجد مبرراً للخوف ، سأله

- إلى أين
- أي مكان ، أي مكان يجعلني أشعر أنني هنا ... هناك . مكان ما يتسعني
- كل هذه الصحراء ولا تتسع لك؟!

- ماذا قلت ؟! صحراء .... نعم صحراء .... اذهب إلى أقرب صحراء.
وبما أنه كما يقول الشاعر : صحراء من أمامكم ...
                     صحراء من ورائكم
                      صحراء عن يمينكم
                     صحراء عن يساركم
                     صحراء من كل الجهات.
ولذلك خلال لحظات كانت السيارة قد وقفت في مكان والصحراء تحيطه من كل الجهات
وما إن توقفت السيارة كان ماجد قد فتح الباب ونزل يجري إلى لا مكان وما إن نزل صديقه مستغربا  من المشهد حتى كان ماجد قد أصبح على بعد مئات الأمتار منه ، فبدأ يناديه بأعلى صوته
- ياااااااااااااااااا ماجد ...... يا مااااااااااااااااجد ....... يا ماجد .... يا ااااا
كانت الصحراء تردد الصوت في أذني ماجد ويسقط عليه الصوت  كقطرات المطر في لهيب الصحراء وبدأ يقفز فرحاً  كأنه يسمع اسمه لأول مرة ، أو كأنه يولد مرة أخرى ، ولادة واعية على العكس من ولادته الأولى التي لا يعي شيئاً منها



                                    
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق