بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/01/28

فرجة


 "  نتعود؟! .. تعرف ماذا تعلّمنا يا أبي ؟. ذات يوم . شرحوا لنا في المدرسة شيئاً عن التعوّد . حين نشم رائحة تضايقنا فإن جملتنا العصبية كلّها تتنبه وتعبر عن ضيقها ، بعد حين من البقاء مع الرائحة يخفّ الضيق . أتعرف معنى ذلك ؟معناه أن هناك شعيرات في مجرى الشمّ قد ماتت فلم تعد تتحسس ، ومن ثم لم تعد تنبه الجملة العصبية . والأمر ذاته في السمع . حين تمر ّ في سوق النّحّاسين ، فإن الضجّة تثير أعصابك ، لو أقمت هناك لتعودت كما يتعود المقيمون والنّحّاسون أنفسهم . السبب نفسه , الشعيرات الحسّاسة  والأعصاب الحسّاسة في الأذن قد  ماتت .... نحن لا نتعوّد يا أبي إلّا إذا مات فينا شيء"

كم وكم وكم هي الأشياء التي تعوّدنا عليها وكم وكم  هي الأشياء التي  ماتت فينا ... الفقر , القهر ، الغربة حتى ونحن في الوطن ، ولكن 

تعوّد القتل والذبح والدّم هل هو تعوّد , أم هو عودة إلى الأصول ،إلى الغابات والأدغال
مشهد سينمائي :
جمع كبير من الناس  رؤوسهم  للأعلى ,يراقبون ما سترسله لهم السماء  ، يتوسلونها بألا تتأخر عليهم كالعادة، فقد قل كفرهم وتمسكوا بتقاليد السلف الصالح وأرخوا ذقونهم على سجيّتها ’ ولم يعد للسماء حجة عليهم ،لم يطل انتظارهم  ، شُقت حجب السماء  ونزل الرجال من السماء ، لم يكن جبرائيل القادم ولا عزرائيل ولا أحد من من رسل إيل . رجال بلا أجنحة يسقطون من السماء ، تصطدم أجسامهم بالأرض ، فتهرب الزغاريد من الحناجر، ويتلقف الأبطال بنادقهم لإفراغ طلقات الغدر بالجثث البشرية المتساقطة ، هل أخافتهم عيون البشر فرموا بها من أعلى السطح كي تأتيهم الشجاعة بإطلاق الرصاص على العيون النائمة 
مشهد مخيف ، بل مرعب ، والمرعب فيه ليس من ألقى البشر من أعلى السطح إلى الأرض ولا من أطلق عليها الرصاص ، فيمكن للإنسان أن يعيش مع أكثر الوحوش  شراسة ، ولكن المخيف إمكانية العيش المشترك مع هذا الجمهور الذي كان يصفق ويزغرد فرحاً ونشوة لهذا الفعل المقيت وكأنهم حصلوا على مفاتيح الجنة

ملاحظة : المقطع أعلاه للكاتب الكبير ممدوح عدوان ،من روايته ( أعدائي )

ملاحظة : المقطع أعلاه للكاتب الكبير ممدوح عدوان ،من روايته ( أعدائي )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق