بحث هذه المدونة الإلكترونية

2017/10/27

نعم نستحق

لنهرب قليلاً من لسعات الشمس الحارقة ، خرجنا إلى العمل قبل العصافير ، وربما لأن تحصيل لقمة العيش بالنسبة لنا أصعب منها لذلك علينا أن نجتهد قبلها ، ونحن على الطريق السريع ، حيث كل شيء هنا مصاب بداء السرعة المزمن وبالرغم من ذلك كل شيء يسير القهقرى .
نظر زميلي إليّ وكأنه يقول
- سمعت هل يعجبك ذلك ؟!! 
تجاهلت السؤال , فرماني بنظرة غاضبة وحاول أن يتبعها بشيء آخر فقاطعته هزّة خفيفة من رأسي وابتسامة ولا أمّرّ منها  
- يستحقون.
رميتها هكذا وكأنني لم أسمع بالخبر الذي نقله الراديو
فجاءني السؤال الغاضب
- كأنك لم تسمع
_ سمعت
كلمة واحدة كأن الذي قالها لفظ آخر ماعنده
- سمعت!؟ تقول سمعت و وماالذي سمعت؟سمعت ما قالته الإذاعة؟
وكادت هزة الرأس الموافقة على سؤاله أن تخرجه عن طوره وتخرج السيارة عن طورها ، ولا أدري مالذي أنقذنا ، وهل وقفت السيارة من تلقاء نفسها أم أن زميلي أوقفها ، وبدلا من التفكير بما كان سيحصل لنا ، انفجر في وجهي وكأنني أنا من أصدرت أوامري بالجلد أو من قمت بتنفيذ الأمر ، وضغط على زناد لسانه

- ولكنهما طبيبان الا تعلم ماذا يعني طبيبان
- يعني أنهما بشر 
- كيف ؟
- لكل إنسان مهمة في الحياة عليه أن يتقنها بأمانة مهما كانت نوع مهنته ، 
_ هل تصدق ما تقوله الرواية ، كذب إنهم يريدون تشويه سمعتنا نحن المصريين
_ وماا يغير تصديقي للرواية من عدمه
_ كيف تصدق بأن طبيبا يفعل ما يتهمونه به
_ لست بصدد أن أصدق أو لا أصدق مايقال
ولكنك تقول بأنهم يستحقون الجلد
نعم يا صديقي ، قلت متابعاً ، وأنا وأنت نستحقه ،هل تظن يا صديقي لو وقف الطبيبان ووقفت أنت وأنا في وجه الظلم ، في وجه الظلم واللظلام الذين لم يتركوا لنا من خيرات بلدنا إلاّ ما يسد الرمق
انتقلت عدوى الإبتسامة البلهاء من وجهي إلى وجهه ، وحاول إعادة السيارة إلى الطريق وهو يهز رأسه  في حين هربت من بين شفتيه الكلمات ..

نعم نستحق كلنا نستحق الجلد

2017/10/25

ولادة واعية

قدم ماجد من مدينته التي تسترخي على ضفاف العاصي وسط سهول الخير التي تعطي كل ماتشاء ، مدينة لا تهدأ لا نهاراً ولا ليلاً، سكانها يجهدون نهاراً ويعيشون ليلاً ويستمتعون بحياتهم , ويتقنون اصطياد الفرح ، ولعل أجمل مافي مدينتة  أن أهلها يلتحفون السماء وينامون تحت ضوء القمر نصف ايام حياتهم , من يوم تفتح الياسمين والجوري , وحتى يتلاعب نسيم الخريف بأوراقها ، يتلاعبون أطفالاً مع النجيمات وتسبح عقولهم في هذا المدى اللا محدود .
ترك ماجد  هذه اللوحة الفنية لينام في علبة كبريت ، يهدر فيها مكيف الشباك ليلا نهارا وصيفا شتاء،وترك ريشته وألوانه ومسرحياته ورفاقه المسرحيين والحقيقيين ، زوجته وأولاده وأهله ، لأجل كل شيء ترك كل شيء على أمل أن يعود ليهندس كل شيء أفضل مما كان .
طويلة عليه الدقائق والساعات والأيام ، متشابهة بالتمام والكمال ، لا شيء يتغير أمام عينيه سوى التاريخ الذي بدأ يسجله أمامه على ورقة فوق طاولة المكتب ، صحراء ... صحراء ...صحراء من كل الجهات ، تشققت روحه  ، لا تمارين اليوغا ولا الأحلام تخفف عليه وحدته القاتلة ، صار يتخيل نفسه كمشة من الرمل بين التلال  اللاهبة تحت الشمس . ولم يسعفه إلا فكرة خطرت على باله ، فاستدعى صديقا له وأخبره أن الحالة اسعافية ولا تحتمل التأجيل وإما يلحق به أو لا.
ما إن وصل صديقه أمام البيت كان ماجد بانتظاره أمام الباب ، فتح باب السيارة وصعد بقربه مؤشراً بيده أن انطلق
- هيا ... هيا ... بسرعة يا صديقي إما نلحق أو لا نلحق
نظر إليه صديقه بعد أن اطمأن أنه لا يوجد مبرراً للخوف ، سأله

- إلى أين
- أي مكان ، أي مكان يجعلني أشعر أنني هنا ... هناك . مكان ما يتسعني
- كل هذه الصحراء ولا تتسع لك؟!

- ماذا قلت ؟! صحراء .... نعم صحراء .... اذهب إلى أقرب صحراء.
وبما أنه كما يقول الشاعر : صحراء من أمامكم ...
                     صحراء من ورائكم
                      صحراء عن يمينكم
                     صحراء عن يساركم
                     صحراء من كل الجهات.
ولذلك خلال لحظات كانت السيارة قد وقفت في مكان والصحراء تحيطه من كل الجهات
وما إن توقفت السيارة كان ماجد قد فتح الباب ونزل يجري إلى لا مكان وما إن نزل صديقه مستغربا  من المشهد حتى كان ماجد قد أصبح على بعد مئات الأمتار منه ، فبدأ يناديه بأعلى صوته
- ياااااااااااااااااا ماجد ...... يا مااااااااااااااااجد ....... يا ماجد .... يا ااااا
كانت الصحراء تردد الصوت في أذني ماجد ويسقط عليه الصوت  كقطرات المطر في لهيب الصحراء وبدأ يقفز فرحاً  كأنه يسمع اسمه لأول مرة ، أو كأنه يولد مرة أخرى ، ولادة واعية على العكس من ولادته الأولى التي لا يعي شيئاً منها



                                    
 

2017/10/24

فهلوي

بعد محاضرة طويلة عن ضرورة اسقاط النظام المجرم بأي شكل كان ومهما كان الثمن ، سأله أحدهم
- ولكنك لم تعطي سببا واحداً لتلك الضرورة ولا سببا واحدا تقنعنا بإجرام النظام
-  الفساد والفساد والفساد وهل تريد أكثر من ذلك.
فحص المحاور إبهام اليد اليسرى  لصديقه الثائر وقال له
ظننت أنك تركتها في الشام لاستخدامها  بوضع البصمة على جدول المكاتب الهندسية  الشهري كي لا يعرفوا أنك خارج البلد ومكتبك شغال

2017/10/20

تفوّق

جلس أبو سالم القرفصاء تحت ظل السنديانة وهو يستمتع بدرج سيكارته وينشر فتات التنباك على الورقة البيضاءوفجأة
_ يا أم سالم ..... ولك يا أم سالم
ورفع نظره إلى ألأعلى وعلائم النشوى ترتسم على وجهه
- خير , خير يابو سالم ,شو القصة ؟
سألت أم سالم
_ يقبر بيّو هالسالم شو فهيم ....... ولك فيهم وبس وفطين .أي بيحضّي يقبر بيّو .. وأمّو كمان ........
درج السيكارة بشكل نهائي وداعبها برؤوس أصابعه واعتدل واقفاَ
_ فهيم وفطين هالولد الله يخليه ، طالع لأبو مخلق منطق ، مو حمار متل.......
وحتى لا يكمل أبو سالم الحديث أسرعت أم سالم 
_ أي والله هالولد فهيم الله يحرسو
_كنت عم قول لحالي نبعتو ع مدرسة المدينة ..أحسن . ... ما في علم مظبوط بالضيعة يا أم سالم . الولد نابغة وحرام نضيعلو مستقبلو ، شو قلتي.
وقبل أن ترد أم سالم وكالعادة القرار اتخذه أبو سالم بالمشاورة مع ذاته كونه السلطة المطلقة
وفي العام القادم كان سالم ينهب الأرض كل يوم باتجاه المدينة ، وأبو سالم ينهب الأرض بعينيه ، ويمط رأسه باتجاه السماء كلما مر من أمام احد من أبناء ضيعته 
ومضى العام الدراسي وجلس أبو سالم في نفس المكان السابق يتلذذ بلف سيجارته وينتظر عودة سالم من المدينة حاملاً حصيلة عامه الدراسي ، وجنى تعبه وجهده
رفع أبو سالم رأسه باتجاه الطريق ، وفز واقفا يتهيأ لاستقبال البشرى من ولده العبقري العائد من مدرسته  ،ابتسم أبو سالم وبحركة عنترية رفع يديه يمسد شاربيه الطويلين
- أم سالم ...ولك يا أم سالمغححا البطل يا أم سالم ، ولك وين الزلغوطة يا أم سالم
رفع سالم يده اليمنى إلى مستوى كتفه جامعا أصابعه الأربع مقابل الإبهام ، فجاءه صوت أبو سالم سريعا قوياً حاراً
- شو على مهل يا سالم شو خليها تسمّع مو الحارة ، ولك خليها تسمع الضيعة
_ بس يابيي......
- شو بس يابيي ماتقلّي إنك طلعت التاني عالصف ها أوعا ثم أوعا لا تعكرلي مراقي
- لا ما طلعت التاني
- لكن ليش ما تزلغطي يا أم سالم
-بس أنا ما طلعت لا الأول ولا التاني ولا التالت كمان
_ ولا التالت كمان شو طلعت عين بيك
رسبوني بالصف يابيي
_ رسبوك يعني سقطت ولك . كيف كيف وكل عمرك الأول عالصف ، اكيد أكيد عين بيّك في مؤامرة مو عليك أنت على بيّك أبو سالم ، أم سالم عطيني جلاءات ابنك القديمة والله والله ما رح تنملي عين تروح شوف شي صاير بالدنيا ومين واقف ورا هالعملية ، قال سالم ابني يرسب قال, والله تفرجيهن نجوم الطهر

وبعد ثوان قليلة كانت أقدام أبو سالم تكاد تفجر الماء من تحت الأرض ، لم تستطع أم سالم أن تقنعه بتأجيل الموضوع إلى الغد ، وبأن دوام المدرسة ينتهي قبل وصوله إليها ، والأهم من كل هذا وذاك ، أن موعد سقاية البستان خلال دقائق وإن لم يستلم أبو سالم الدور يخسر دوره في السقاية
ودخل أبو سالم في نقاش وجدال وصياح مع المدير ومن كان متواجداً من المدرسين ، وفي النهاية قال له المدير
_ يا سيد أبو سالم كل ما قلته صحيح ولا حاجة لأن تريني نتائج إبنك المبهرة في مدرسة القرية
- كيف يعني؟ سأله أبو سال مستغرباً
_ ها ها ، سالتني كيف يعني ، ساقول لك كيف
- كيف؟؟
_ لنفرض أخي أبو سالم أنو جبنا عشرة حمير في عز الشباب ، يعني عشر كرارة  شباب اول طلعتون، تسعة منها رجليها مكسرة وواحد معقّر وشاركناه بالسباق ، يعني  عملناله سباق . مين يافكرك بيربح بالسباق؟!
_ واضحة العملية ما بدها لا تفكير ولا فهمني الكر المعقر بيربح السباق
رد أبو سالم فوراً
_ طيب وإذا أخدنا هالكر المعقر اللي كان الأول ، وشاركنا بسباق مع تسع كرارة سليمة ، شو بيكون ترتيبو

2017/10/15

أحاديث الأبواب للشاعر أحمد مطر

(1)
(كُنّا أسياداً في الغابة.
قطعونا من جذورنا.
قيّدونا بالحديد. ثمّ أوقفونا خَدَماً على عتباتهم.
هذا هو حظّنا من التمدّن.)
ليس في الدُّنيا مَن يفهم حُرقةَ العبيد
مِثلُ الأبواب !
(2)
ليس ثرثاراً.
أبجديتهُ المؤلّفة من حرفين فقط
تكفيه تماماً
للتعبير عن وجعه:
( طَقْ ) ‍!
(3)
وَحْدَهُ يعرفُ جميعَ الأبواب
هذا الشحّاذ.
ربّما لأنـه مِثلُها
مقطوعٌ من شجرة !
(4)
يَكشِطُ النجّار جِلدَه ..
فيتألم بصبر.
يمسح وجهَهُ بالرَّمل ..
فلا يشكو.
يضغط مفاصِلَه..
فلا يُطلق حتى آهة.
يطعنُهُ بالمسامير ..
فلا يصرُخ.
مؤمنٌ جدّاً
لا يملكُ إلاّ التّسليمَ
بما يَصنعهُ
الخلاّق !
(5)
( إلعبوا أمامَ الباب )
يشعرُ بالزَّهو.
السيّدةُ
تأتمنُهُ على صغارها !
(6)
قبضَتُهُ الباردة
تُصافِحُ الزائرين
بحرارة !
(7)
صدرُهُ المقرور بالشّتاء
يحسُدُ ظهرَهُ الدّافىء.
صدرُهُ المُشتعِل بالصّيف
يحسدُ ظهرَهُ المُبترد.
ظهرُهُ، الغافِلُ عن مسرّات الدّاخل،
يحسُدُ صدرَهُ
فقط
لأنّهُ مقيمٌ في الخارِج !
(8)
يُزعجهم صريرُه.
لا يحترمونَ مُطلقاً..
أنينَ الشّيخوخة !
(9)
ترقُصُ ،
وتُصفّق.
عِندَها
حفلةُ هواء !
(10)
مُشكلةُ باب الحديد
إنّهُ لا يملِكُ
شجرةَ عائلة !
(11)
حَلقوا وجهَه.
ضمَّخوا صدرَه بالدُّهن.
زرّروا أكمامَهُ بالمسامير الفضّية.
لم يتخيَّلْ،
بعدَ كُلِّ هذهِ الزّينة،
أنّهُ سيكون
سِروالاً لعورةِ منـزل !
(12 )
طيلَةَ يوم الجُمعة
يشتاق إلى ضوضاء الأطفال
بابُ المدرسة.
طيلةَ يوم الجُمعة
يشتاقُ إلى هدوء السّبت
بابُ البيت !
(13)
كأنَّ الظلام لا يكفي..
هاهُم يُغطُّونَ وجهَهُ بِستارة.
( لستُ نافِذةً يا ناس ..
ثُمّ إنني أُحبُّ أن أتفرّج.)
لا أحد يسمعُ احتجاجَه.
الكُلُّ مشغول
بِمتابعة المسرحيّة !
(14)
أَهوَ في الدّاخل
أم في الخارج ؟
لا يعرف.
كثرةُ الضّرب
أصابتهُ بالدُّوار !
(15)
بابُ الكوخ
يتفرّجُ بكُلِّ راحة.
مسكينٌ بابُ القصر
تحجُبُ المناظرَ عن عينيهِ، دائماً،
زحمةُ الحُرّاس !
(16)
(يعملُ عملَنا
ويحمِلُ اسمَنا
لكِنّهُ يبدو مُخنّثاً مثلَ نافِذة.)
هكذا تتحدّثُ الأبوابُ الخشَبيّة
عن البابِ الزُّجاجي !
(17)
لم تُنْسِهِ المدينةُ أصلَهُ.
ظلَّ، مثلما كان في الغابة،
ينامُ واقفاً !
(18)
المفتاحُ
النائمُ على قارعةِ الطّريق ..
عرفَ الآن،
الآن فقط،
نعمةَ أن يكونَ لهُ وطن،
حتّى لو كان
ثُقباً في باب!
(19)
(- مَن الطّارق ؟
- أنا محمود .)
دائماً يعترفون ..
أولئكَ المُتّهمون بضربه !
(20)
ليسَ لها بيوت
ولا أهل.
كُلَّ يومٍ تُقيم
بين أشخاصٍ جُدد..
أبوابُ الفنادق !
(21)
لم يأتِ النّجارُ لتركيبه.
كلاهُما، اليومَ،
عاطِلٌ عن العمل !
(22)
- أحياناً يخرجونَ ضاحكين،
وأحياناً .. مُبلّلين بالدُّموع،
وأحياناً .. مُتذمِّرين.
ماذا يفعلونَ بِهِم هناك ؟!
تتساءلُ
أبوابُ السينما.
(23)
(طَقْ .. طَقْ .. طَقْ )
سدّدوا إلى وجهِهِ ثلاثَ لكمات..
لكنّهم لم يخلعوا كَتِفه.
شُرطةٌ طيّبون !
(24)
على الرّغمَ من كونهِ صغيراً ونحيلاً،
اختارهُ الرّجلُ من دونِ جميعِ أصحابِه.
حَمَلهُ على ظهرِهِ بكُلِّ حنانٍ وحذر.
أركَبهُ سيّارة.
( مُنتهى العِزّ )..قالَ لنفسِه.
وأمامَ البيت
صاحَ الرّجُل: افتحوا ..
جِئنا ببابٍ جديد
لدورةِ المياه !
(25)
- نحنُ لا نأتي بسهولة.
فلكي نُولدَ،
تخضعُ أُمّهاتُنا، دائماً،
للعمليّات القيصريّة.
يقولُ البابُ الخشبي،
وفي عروقه تتصاعدُ رائِحةُ المنشار.
- رُفاتُ المئات من أسلافي ..
المئات.
صُهِرتْ في الجحيم ..
في الجحيم.
لكي أُولدَ أنا فقط.
يقولُ البابُ الفولاذي !
(26)
- حسناً..
هوَ غاضِبٌ مِن زوجته.
لماذا يصفِقُني أنـا ؟!
(27)
لولا ساعي البريد
لماتَ من الجوع.
كُلَّ صباح
يَمُدُّ يَدَهُ إلى فَمِـه
ويُطعِمُهُ رسائل !
(28)
( إنّها الجنَّـة ..
طعامٌ وافر،
وشراب،
وضياء ،
ومناخٌ أوروبـّي.)
يشعُرُ بِمُنتهى الغِبطة
بابُ الثّلاجة !
(29)
- لا أمنعُ الهواء ولا النّور
ولا أحجبُ الأنظار.
أنا مؤمنٌ بالديمقراطية.
- لكنّك تقمعُ الهَوام.
- تلكَ هي الديمقراطية !
يقولُ بابُ الشّبك.
(30)
هاهُم ينتقلون.
كُلُّ متاعِهم في الشّاحِنة.
ليسَ في المنـزل إلاّ الفراغ.
لماذا أغلقوني إذن ؟!
(31)
وسيطٌ دائمٌ للصُلح
بين جِدارين مُتباعِدَين !
(32)
في ضوء المصباح
المُعلَّقِ فوقَ رأسهِ
يتسلّى طولَ الليل
بِقراءةِ
كتابِ الشّارع !
(33)
( ماذا يحسبُ نفسَه ؟
في النّهاية هوَ مثلُنا
لا يعملُ إلاّ فوقَ الأرض.)
هكذا تُفكِّرُ أبواب المنازل
كُلّما لاحَ لها
بابُ طائرة.
(34)
من حقِّهِ
أن يقفَ مزهوّاً بقيمته.
قبضَ أصحابُهُ
من شركة التأمين
مائة ألفِ دينار،
فقط ..
لأنَّ اللصوصَ
خلعوا مفاصِلَه !
(35)
مركزُ حُدود
بين دولة السِّر
ودولة العلَن.
ثُقب المفتاح !
(36)
- محظوظٌ ذلكَ الواقفُ في المرآب.
أربعُ قفزاتٍ في اليوم..
ذلكَ كُلُّ شُغلِه.
- بائسٌ ذلك الواقفُ في المرآب.
ليسَ لهُ أيُّ نصيب
من دفءِ العائلة !
(37)
ركّبوا جَرَساً على ذراعِه.
فَرِحَ كثيراً.
مُنذُ الآن،
سيُعلنون عن حُضورِهم
دونَ الإضطرار إلى صفعِه !
(38)
أكثرُ ما يُضايقهُ
أنّهُ محروم
من وضعِ قبضتهِ العالية
في يدِ طفل !
(39)
هُم عيّنوهُ حارِساً.
لماذا، إذن،
يمنعونَهُ من تأديةِ واجِبه ؟
ينظرُ بِحقد إلى لافتة المحَل:
(نفتَحُ ليلاً ونهاراً) !
(40)
- أمّا أنا.. فلا أسمحُ لأحدٍ باغتصابي.
هكذا يُجمِّلُ غَيْرتَه
الحائطُ الواقف بينَ الباب والنافذة.
لكنَّ الجُرذان تضحك !
(41)
فَمُهُ الكسلان
ينفتحُ
وينغَلِق.
يعبُّ الهواء وينفُثهُ.
لا شُغلَ جديّاً لديه..
ماذا يملِكُ غيرَ التثاؤب ؟!
(42)
مُعاقٌ
يتحرّكُ بكرسيٍّ كهربائي..
بابُ المصعد !
(43)
هذا الرجُلُ لا يأتي، قَطُّ،
عندما يكونُ صاحِبُ البيتِ موجوداً !
هذهِ المرأةُ لا تأتي، أبداً ،
عندما تكونُ رَبَّةُ البيتِ موجودة !
يتعجّبُ بابُ الشّارع.
بابُ غرفةِ النّوم وَحدَهُ
يعرِفُ السّبب !
(44)
( مُنتهى الإذلال.
لم يبقَ إلاّ أن تركبَ النّوافِذُ
فوقَ رؤوسنا.)
تتذمّرُ
أبوابُ السّيارات !
(45)
- أنتَ رأيتَ اللصوصَ، أيُّها الباب،
لماذا لم تُعطِ أوصافَـهُم ؟
- لم يسألني أحد !
(46)
تجهلُ تماماً
لذّةَ طعمِ الطّباشير
الذي في أيدي الأطفال،
تلكَ الأبوابُ المهووسةُ بالنّظافة !
(47)
- أأنتَ متأكدٌ أنهُ هوَ البيت ؟
- أظُن ..
يتحسّرُ الباب :
تظُنّ يا ناكِرَ الودّ ؟
أحقّاً لم تتعرّف على وجهي ؟!
(48)
وضعوا سعفتينِ على كتفيه.
- لم أقُم بأي عملٍ بطولي.
كُلُّ ما في الأمر
أنَّ صاحبَ البيتِ عادَ من الحجّ.
هل أستحِقُّ لهذا
أن يمنحَني هؤلاءِ الحمقى
رُتبةَ ( لواء ) ؟!
(49)
ليتسلّلْ الرّضيع ..
لتتوغّلْ العاصفة ..
لا مانعَ لديهِ إطلاقاً.
مُنفتِح !
(50)
الجَرسُ الذي ذادَ عنهُ اللّطمات ..
غزاهُ بالأرق.
لا شيءَ بلا ثمن !
(51)
يقفُ في استقبالِهم.
يضعُ يدَهُ في أيديهم.
يفتحُ صدرَهُ لهم.
يتنحّى جانباً ليدخلوا.
ومعَ ذلك،
فإنَّ أحداً منهُم
لم يقُلْ لهُ مرّةً :
تعالَ اجلسْ معنا!
(52)
في انتظار النُزلاء الجُدد..
يقفُ مُرتعِداً.
علّمتهُ التّجرُبة
أنهم لن يدخلوا
قبل أن يغسِلوا قدميهِ
بدماءِ ضحيّة !
(53)
( هذا بيتُنـا )
في خاصِرتي، في ذراعي،
في بطني، في رِجلي.
دائماً ينخزُني هذا الولدُ
بخطِّهِ الرّكيك.
يظُنّني لا أعرف !
(54)
(الولدُ المؤدَّب
لا يضرِبُ الآخرين.)
هكذا يُعلِّمونهُ دائماً.
أنا لا أفهم
لماذا يَصِفونهُ بقلَّةِ الأدب
إذا هوَ دخلَ عليهم
دون أن يضربَني ؟‍!
(55)
- عبرَكِ يدخلُ اللّصوص.
أنتِ خائنةٌ أيتها النّافذة.
- لستُ خائنةً، أيها الباب،
بل ضعيفة !
(56)
هذا الّذي مهنتُهُ صَدُّ الرّيح..
بسهولةٍ يجتاحهُ
دبيبُ النّملة !
(57)
( إعبروا فوقَ جُثّتي.
إرزقوني الشّهادة.)
بصمتٍ
تُنادي المُتظاهرين
بواّبةُ القصر !
(58)
في الأفراح أو في المآتم
دائماً يُصابُ بالغَثيان.
ما يبلَعهُ، أوّلَ المساء،
يستفرغُهُ، آخرَ السّهرة !
(59)
اخترقَتهُ الرّصاصة.
ظلَّ واقفاً بكبرياء
لم ينـزف قطرةَ دَمٍ واحدة.
كُلُّ ما في الأمر أنّهُ مالَ قليلاً
لتخرُجَ جنازةُ صاحب البيت !
(60)
قليلٌ من الزّيت بعدَ الشّتاء،
وشيءٌ من الدُّهن بعد الصّيف.
حارسٌ بأرخصِ أجر !
(61)
نحنُ ضِمادات
لهذه الجروح العميقة
في أجساد المنازل !
(62)
لولاه..
لفَقدتْ لذّتَها
مُداهماتُ الشُّرطة !
(63)
هُم يعلمون أنهُ يُعاني من التسوّس،
لكنّ أحداً منهم
لم يُفكّر باصطحابِهِ إلى
طبيب الأسنان !
(64)
- هوَ الذي انهزَم.
حاولَ، جاهِداً، أن يفُضَّني..
لكنّني تمنَّعْتُ.
ليست لطخَةَ عارٍ،
بل وِسامُ شرَف على صدري
بصمَةُ حذائه !
(65)
- إسمع يا عزيزي ..
إلى أن يسكُنَ أحدٌ هذا البيت المهجور
إشغلْ أوقات فراغِكَ
بحراسة بيتي.
هكذا تُواسيهِ العنكبوت !
(66)
ما أن تلتقي بحرارة الأجساد
حتّى تنفتحَ تلقائيّاً.
كم هي خليعةٌ
بوّاباتُ المطارات !
(67)
- أنا فخورٌ أيّتُها النافذة.
صاحبُ الدّار علّقَ اسمَهُ
على صدري.
- يا لكَ من مسكين !
أيُّ فخرٍ للأسير
في أن يحمِل اسمَ آسِرهِ ؟!
(68)
فكّوا قيدَهُ للتّو..
لذلكَ يبدو
مُنشرِحَ الصَّدر !
(69)
تتذمّرُ الأبواب الخشبيّة:
سَواءٌ أعمِلنا في حانةٍ
أم في مسجد،
فإنَّ مصيرَنا جميعاً
إلى النّار !
(70)
في السّلسلةِ مفتاحٌ صغيرٌ يلمع.
مغرورٌ لاختصاصهِ بحُجرةِ الزّينة.
- قليلاً من التواضُعِ يا وَلَد..
لولايَ لما ذُقتَ حتّى طعمَ الرّدهة.
ينهرُهُ مفتاحُ البابِ الكبير‍!
(71)
يُشبه الضميرَ العالمي.
دائماً يتفرّج، ساكتاً، على ما يجري
بابُ المسلَخ!
(72)
في دُكّان النجّار
تُفكّرُ بمصائرها:
- روضةُ أطفال ؟ ربّما.
- مطبخ ؟ مُمكن.
- مكتبة ؟ حبّذا.
المهمّ أنها لن تذهبَ إلى السّجن.
الخشَبُ أكثرُ رقّة
من أن يقوم بمثلِ هذه المهمّة !
(73)
الأبوابُ تعرِفُ الحكايةَ كُلَّها
من ( طَقْ طَقْ )
إلى ( السَّلامُ عليكم.)